هيرمس
شايل جيل

بالحسنى

علم الكلام ضرورة دعوية

تحدثت في مقال سابق عن ضرورة إعادة علم الكلام إلى مكانته المتقدمة في الدراسات الدينية مثلما كان عندما ظهر هذا العلم الذي يعتبر علمًا عربيًا إسلاميًا خالصًا .

  وهو لمن لا يعرف :العلم الذي يفلسف ما يعتقده الإنسان أى أنه يقدم الأدلة العقلية التى تؤكد صواب ما يعتقد دينيا ويستطيع أن يدحض انتقادات الخصوم والمشككين فيما يعتقد. ليس هذا فقط وإنما يرد على أهل الدين من المبتدعين وهو علم يختلف عن الفلسفة ويختلف صاحبه عن الفيلسوف رغم أن كلاهما يعتمد على الأدلة العقلية في الوصول الى الحقيقة.

 أما الفرق فيتمثل في أن علم الكلام يعتمد على الادلة العقلية ليثب ما نزل بالوحي أى يقدم المتكلم الادلة العقلية على صواب ما اعتقده من دين ، لكن الفلسفة تعتمد على العقل في الوصول الى الحقائق دون اعتبار لأي معتقدات ومن هنا فإن المتكلم يبدأ معتقدا ويسعى لاثبات ما يعتقده لكن الفيلسوف يبدأ شاكا لا يعتقد فى شىء ويبحث فى القضايا العقلية بلا مسلمات سابقة، كما أن المتكلم يعتمد على العقل والنقل والنقل هوما جاء فى القرآن والسنة أى النصوص الدينية لكن الفيلسوف يعتمد على العقل فقط.

 أما قضايا علم الكلام فهى اثبات وجود الله ووحدانيته والبعث والحساب والجنة والنار ويرد على الشبهات التى يثيرها الملحدون حول الدين  ويرد على الجهلاء الذين يتحدثون بلا منطق ولا علم وغير ذلك من القضايا التى تتصل بالتوحيد لذلك سمو هذا العلم بعلم التوحيد ،وعلم الفقه الاكبر ،وعلم الإيمان، وعلم النظر والاستدلال .

  أما لماذا ندعو الى إعادته لمكانته وأن يدرس فى كل الكليات الازهرية والاقسام التى تتعرض لدراسة الدين لأنه يربي ملكة الاستدلال العقلي على صحة القضايا الدينية الكبرى تساعد صاحب هذه الملكة على الرد على المكفرين و الشبهات التى يثيرها الملحدون والمشككون فى الدين وما أكثرها فى أيامنا هذه  .

   وأول ما نجد هذا العلم نجده في القرآن والسنة في نقاشهما للمشركين بمنطق عقلي  مثلما حكى القرآن عما كان من سيدنا إبراهيم والنمروذ ،فعندما قال سيدنا إبراهيم : " ربى الذي يحي ويميت " فقال النمروذ : " أنا أحيي وأميت " فلم يجادله فيما قال وإنما وضعه فى اختبار يؤكد عقلا إن كان صادقا أم كاذبا .فقال له   ".. فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر" والامثلة فى ذلك كثيرة . ويعتبر أول من استخدم علم الكلام في عهد الصحابة سيدنا عبد الله بن عباس في مناظراته مع الخوارج الذين كفروا سيدنا على وغيره من المسلمين وكفروا المسلم بالذنب يذنبه وكفروا الحاكم ودعوا إلى قتاله.

   كما أن أول من كتب فيه وسماه "الفقه الأكبر" الإمام أبو حنيفة النعمان كما كتب "العالم والمتعلم" .مما جاء فى مناظرته للملاحدة  كما جاء فى مناقب أبي حنيفة للمتقي المكي : ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة بالامتعة وقد احتوشتها(أحاطت بها) في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي بينها تجري مستوية،وليس فيها ملاح يجريها ويقودها ويسوقهاويدفعها.هل يجوزذلك في العقل؟ قالوا: لا.هذا لا يقبله العقل ولا يجيزه  الوهم. فقال لهم أبو حنيفة : فيا سبحان الله إذا لم يجز في العقل وجود سفينة تجري مستوية من غير متعهد فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أمورهاوسعة أطرافها وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ محدث لها