هيرمس
شايل جيل

ما وراء ظاهرة  إنتحار  الشباب 


ظاهرة مفزعة ألقت بظلالها السوداء علي مجتمعات الشباب بمصر  في السنوات الأخيرة  و هي ظاهرة الإنتحار ، 
إذ أنها أشبه بالعدوي الفيروسية سريعة الإنتشار  و التي تستوجب العلاج السريع بكافة الطرق الممكنة و تستلزم تكاتف كافة مؤسسات الدولة الدينية و الإجتماعية و التعليمية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وسائل الإعلام و صناع الدراما السينمائية و التليفزيونية  إنتهاءً بالبيوت المصرية التي تتكون من مراهقين أو شباب من الجنسين .

فقد نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا عن ظاهرة الانتحار حول العالم، وجاء في التقرير أن شخصا واحدا ينتحر كل 40 ثانية، أي أكثر من الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي ، 
و في مفاجأة غير متوقعة قد تصدرت مصر قائمة البلدان العربية من حيث أعداد المنتحرين .

إذ استقبل المصريون منذ أسابيع قليلة خبر طالب الهندسة الذي ألقى بنفسه من فوق برج القاهرة كالصاعقة، و من قبله عدة حالات متتالية للانتحار تحت عجلات مترو الأنفاق أو غرقا في النيل، أو الانتحار بحبل يعلق في سقف حجرة".

إنتهاءً بأحدث حالات التخلص السريع من الحياة للصبي ذو السبعة عشر ربيعاً الذي شنق نفسه لصدمته برفض الأسرة زواجه من ابنة خالته نظراً لصغر سنة ، تاركاً رسالة إعتذار لوالديه علي ما ألحق بهم من فاجعة شارحاً أن حياته لم يعد لها أهمية دون الإرتباط بمحبوبته !

أي أن الإقبال علي إنهاء الحياة برمتها بات الحل الأسهل و الأسرع و الأمثل لدي قطاع كبير من الشباب و المراهقين في ظاهرة غريبة تسللت بفعل عدة عوامل لتصيب مجتمعنا  الآمن المستقر المتدين بطبعه  في عصبه و عموده الفقري وهو الشباب .

و عادة ما يأتي السلوك الانتحاري نتيجة التفاعل بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية ، و يبقي الإدمان على رأس الأسباب النفسية المؤدية إلى هذا الانتحار .

فالتربية بالبيوت و المدارس التي كان لها الأثر الأكبر في تنشئة أجيال صالحة متسقة نفسياً و تعليمياً و فنياً و دينياً  قد أصابها المرض بعد أن تلاشت كافة الأنشطة المدرسية الرياضية و الفنية و الأدبية مثلما كان بالماضي القريب ، ناهيك عن مناهج التعليم  التي تراجعت بشكل مفزع لتخرج مصر من قائمة التصنيف العالمي للتعليم  و تضعها بعد ذيل القائمة !

هذا إلي جانب تراجع الفنون بكافة أشكالها من موسيقي لغناء لدراما و التي كان لها الأثر الأكبر في تشكيل الوجدان و الإرتقاء بالنفس و تهذيبها  لتصيب أجيال بعينها بانعدام الذوق و فقدان القدرة علي التذوق ، 

فضلاً عن وسائل الإعلام التي باتت منابراً للفجاجة و السطحية و إهدار  الوقت ، إذ تحولت بالسنوات الأخيرة إلي ساحات للعراك و إلقاء الإتهامات و التشكيك و التهويل و ربما التراشق بالألفاظ !

فلم تعد هناك برامج  ثقافية أو تعليمية أو حتي ترفيهية فنية ذات تأثيرات إيجابية علي قطاع المشاهدين ، ناهيك عن انتشار البرامج الدينية التي كانت سبباً مباشراً لتنفير قطاع كبير من المصريين و علي رأسهم قطاع الشباب  بعد ظهور الإخوان و مواليهم من المتطرفين بسنوات الثورة و ما بعدها إلي أن تمت إزاحتهم عن المشهد  ، لكن بعد وقوع  الكارثة !

فنحن بحاجة إلي إعادة تعريف الأجيال الجديدة بجوهر الدين الوسطي المعتدل الذي كان من أهم  صفات المصريين دون مظاهر منفرة و فتاوي مضللة ، لاستعادة عدد لا بأس به من الشباب الذي شرد و ضل السبيل لينتهي بالكثيرين إلي الإلحاد ، هذا الذي كان بحد ذاته باباً قد انفتح علي مصرعيه لسرعة اتخاذ قرار الإنتحار !

إذ كانت النتيجة المفجعة لتداخل تلك العوامل السلبية ، هي إصابة قطاع كبير من الشباب بالإحباط و التخبط و الإكتئاب ، فراح البعض يدفن رأسه بالرمال و يلقي بنفسه في جحيم  المخدرات للهروب من واقع  غير سعيد بالنسبة له ، خاصة بعد انتشار  المخدرات بطرق مبتكرة و متنوعة تناسب جميع الطبقات و ترضي جميع الأذواق و الإمكانات المادية ، و استسلم  البعض الآخر  للمرض النفسي ووجد بإنهاء الحياة الحل الأمثل دون رادع ديني أو أخلاقي يعترض قراره الذي بات سريعاً جداً !

نهاية :
نحن بصدد مواجهة كارثة مجتمعية آخذة في التزايد ، لذا علينا جميعاً إعلان حالة من الطوارئ  لحين الإنتهاء منها أو لحين إشعار آخر .

فعلي جميع الأهالي متابعة الحالة النفسية للأبناء خاصة في مرحلة المراهقة والشباب وعدم الاستهانة بمشاكلهم، والعمل على التواصل الدائم معهم وتخصيص وقت كافٍ للعائلة للحرص على صحتهم النفسية والالتفات إلى بعض العلامات التي تمثل مؤشرا لخطورة الحالة، في حالة وجود انعدام للرغبة في الحديث وتغلب اليأس على الكلام  وانعدام التركيز.

و قد قامت مؤخراً جامعة القاهرة بمبادرة  مشكورة ، عن طريق إنشاء مركز للدعم النفسي وإعادة بناء الذات، يستهدف طلاب الجامعة والشباب في مصر  تزامنًا مع تزايد هذه الظاهرة .

و كما ذكرت ، فمجرد مبادرة من جهة تعليمية و إن كانت عريقة كجامعة القاهرة ليست بالكافية لمواجهة كارثة بهذا الحجم ، 
و أنه ليس كل الشباب هم من يشاركون بمؤتمرات الشباب و تتم دعوتهم لها ، 

فسيادة الرئيس مشكوراً قد أولي قطاع الشباب جانباً كبيراً من الإهتمام  لم يكن بالوجود ذي قبل ، لكنه لن يستطيع بمفرده حل الأزمة دون تكاتف الجميع، فعلي كافة الجهات التي اشتركت بقصد أو غير قصد في خروج و تفشي هذه الظاهرة أن تشترك مجدداً بكافة مجهوداتها لتصويب هذا الخطأ  ، كالمؤسسات التعليمية جميعها بالمدارس و الجامعات و المؤسسات الدينية و وسائل الإعلام  و المؤسسات الفنية العامة منها و الخاصة و صناعة الدراما ، لإعادة غرس القيم الدينية و الأخلاقية و القيمية بطرق مقبولة و غير مباشرة و موجهة مثلما كان بالماضي القريب منذ عقدين علي الأكثر ، و سرعة التخلص من المادة المنفرة التي تكرس للعنف و البلطجة و البعد عن التقاليد التي تربينا عليها  و توارثتها أجيال بعد أجيال بطرق بسيطة و تلقائية ، لإعادة الإرتقاء بالأرواح و الأنفس و تهذيبها و احتوائها من جديد .
                                
 لعل الله يجعل لنا من تلك الأزمة مخرجا