هيرمس
شايل جيل

للبناء والتقدم

مصر ومواجهة المؤامرات «١»


إذا وقفنا أمام مرآة التاريخ نجد أن تاريخ البشرية ما هو إلا سلسلة من المؤامرات من دولة قوية تريد اغتصاب غيرها اغتصاباً كاملاً.. لأنها ضعيفة أو قابلة للاستضعاف.. حيث إنها دولة رخوة بتعبير علم الاقتصاد لفقدانها أركان العدالة الاجتماعية والعلم والعمل.

وما اضمحلت حضارة كما يقول علماء الحضارات -مرة واحدة- ولكن عندما تأخذ فى القابلية للاستضعاف حتى قال بعض مؤرخى الحضارات: «..إن الحضارات لا تموت بل تنتحر».. وما انتحرت تلك الحضارات إلا لأنها لم تقم بمعرفة وكشف المؤامرة والمتآمرين والاستعداد للمواجهة القادمة والقتال.

وليس ببعيد عن ذاكرتنا الواعية ما حدث للاتحاد السوفيتى السابق عندما انهار فى عام 1989 وكان قبل ذلك هو القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية.. وأخذ الخبراء والمحللون يبحثون أسباب هذا الانهيار.. وكان منهم الفيلسوف البريطانى «إيزاك برلين» يأخذ بنظرية المؤامرة فى تفسير ذلك الانهيار المدوى فى التاريخ العالمى الحديث والمعاصر كما جاء نقلاً عن كتاب «من الحرب الباردة إلى البحث عن نظام عالمى جديد» للسفير د.السيد أمين شلبي.

يقول إيزاك برلين: لقد كان حدثاً فريداً فى التاريخ الإنساني.. فلم يحدث من قبل أن انهارت امبراطورية دون حرب أو دون ثورة أو غزو.. وهذا يعنى أن هناك قوى غير عادية كانت تفعل فعلها.

إن فلسفة التاريخ فى قوة الدول أو إضعافها وضعفها نجدها قد قامت على عنصرى التحدى والاستجابة كما قال فيلسوف التاريخ البريطانى «أرنولد توينبي».

ويشهد تاريخ الإنسانية أن مصر هى أول حضارة علّمت البشرية قد قامت ونهضت واستمرت بتحدى المؤامرات فى الداخل والخارج بمعادلة متكاملة صحيحة تقول إن الحرية تصونها العدالة الاجتماعية.. فكان السلام الاجتماعى الذى حقق الأمن القومى لمصر فى أوج وأعظم قوة لأن كل زهرة تتفتح وكل عصفور يغرد وكل نحلة تعطى عسلها وكل شجرة طيبة تؤتى ثمرها.
«إن الذين لا يقرأون التاريخ يكررون أخطاء المستقبل».. هذه العبارة للمفكر الإسبانى الأمريكى جورج سانتايانا.. ونكتشف أن شاعرنا العربى قديماً قد سبق عندما قال المعنى نفسه:

اقرأوا التاريخ إذ فيه العبر    ...      ضلّ قوم ليسوا يدرون الخبر.

وما أردت أن أسوق ما قاله سانتايانا وشاعرنا العربى القديم إلا لتكون على وعى يقظ ثابت راسخ رسوخ الجبال بما يحاك ضد مصر والمصريين من أعداء مُعلنين عدوانهم رغم المعاهدات.. وآخرين هم أعداء فى ثياب أصدقاء خناجرهم فى ظهورنا بوجوه مبتسمة.. فهم يهوذا الذى خان المسيح ونحن لا نعى ولا ندري.. ولأن مصر بثوابت الأمن القومى ومتغيراته حسب ظروف كل مراحل التاريخ قد جعلت حكامها الأقوياء بالعدل يحافظون على وحدة أراضيها التاريخية ويجرى فى واديها نيلها الخالد مدافعين عنه حتى يستمتع المصريون بخيراته.. أيضا يواجهون تحديات الأمن القومى الثابتة والمتغيرة فى أيامنا هذه بمنهج سليم.. ولعلنا نستدعى إحدى توصيات مؤتمر «متحدون فى مواجهة التطرف» الذى نظمته مكتبة الإسكندرية فى منتصف يناير عام 2017 وقد اتفق الباحثون والمفكرون على هذه التوصية التى تصف الداء.. حيث تقول: إن الأمن القومى لم يعد يقتصر على الأبعاد العسكرية.. بل يمتد ليشمل الأبعاد الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وأن التطرف هو أهم تحد يواجهنا الآن.. وأن أسباب ظهور التطرف والإرهاب إقصاء الأفراد من الحياة العامة.. لأن فكرة الإقصاء تؤدى للشعور بالتهميش.

ثم تقدم توصية مكتبة الاسكندرية الدواء والحل لهذه المشكلة القاتلة.. قائلة: يجب العمل على إدماج الأفراد فى المجتمع وعلاج المشكلات التى تولد العنف مثل اليأس ومن واجبنا أن ننمى قيم الحرية والمواطنة وتحمل المسئولية والوعى بالقانون وقبول الحوار لنُخرج جيلاً قوياً.. ومن حق الشباب التعبير عن رأيه دون خوف.. والقضية الأمنية ليست الحل دائماً.
عاشت مصر قوية عزيزة أبية كريمة داحرة الأعداء والمتآمرين.