هيرمس
شايل جيل

بالحسنى 

منهج الرسول

  عندما وصل رسول الله إلى المدينة شكا له الناس من تعامل اليهود بالربا فى السوق وانتشار الغش والتدليس فى البيع والشراء حتى أصبح الناس يتعاملون مع البضائع وفى أذهانهم أنها مغشوشة، فما كان من الرسول إلا أن أنشأ سوقا جديدة وتعتمد الصدق قاعدة فى حوار البيع والشراء والأمانة منهجا وتتخلى عن الربا فى التعامل المالي .

  لم ينشغل الرسول صلى الله عليةه وسلم بكيفية دعوة الناس إلى هذه السوق ولا بإعلامهم أن المتاجرين فيها لا يغشون ولا يتعاملون بالربا، وإنما ترك الناس كل الناس تعرف حقيقة هذه السوق بانفسهم. ذلك لأن الصواب نور، والحق أظهر من أن يخفيه أحد، ويكشف عن نفسه حتى لو لم يجتهد الناس فى الكشف عنه، وبالفعل هجر الناس السوق التى تتعامل بالربا وتعتمد على الغش والخداع واتجهوا الى تلك التى تراقب الله فى كل حركة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، وإنما حرص رسول الله أن يراقب هذه السوق ،ويوجه المتعاملين فيها الى الصواب، لأن النفوس البشرية بها ضعف، كما أن الجهل بالقواعد أحيانا يوقع أصحابه فى الخطايا دون قصد ،بل قد يظنون أنهم يحسنون صنعا.

  من هنا كان توجيهه لمن وجد فى بضاعنه بللًا فسال البائع فقال أصابتها السماء فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدة ذهبية تهز القلوب وتزجر الضمائر الضعيفة وتعيد المؤمن مسرعا إلى الصواب فقال :أفلا كشفته للناس من غشنا فليش منا" ، فأصبح ذكر عيوب البضائع المباعة مع ذكر مميزاتها قاعدة دينية فى البيع والشراء تبرئة للذمم.

  مما فعله الرسول فى موضوع السوق يوقفنا على عدة حقائق أولها : أنه لم يشغل باله بإصلاح سوق الربا أو إعادة البائعين إلى الصواب لأنهم طبعوا على الغش والتدليس واستمرْوا البيع بالربا وإصلاح ذلك يحتاج الى وقت طويل لأنه إصلاح للنفوس وإنما عمد إلى إنشاء نموذج واقعى يبدأ بالصواب ويعمل فيه تجار لم تلوث نفوسهم كما أنه سيصبح مثلا يدفع الآخرين الى التأسى به ومقاومة ما فى نفوسهم من طبائع .

  أقول هذا وأنا أتأمل فى قضية الاعلام وما يثار حوله من تزييف الحقائق والكلام فى كيفية العلاج وحماية المجتمع من الشائعات فأؤكد من واقع تاريخى فى العمل الصحفى وتاريخ الصحافة نفسها وتاريخ بلدنا العظيم أن أقوى ما يواجه الشائعات هو الشفافية المحسوبة وإذا أردت أن أدلل عليها أذكر أن المصريين والعرب كانوا يتجهون إلى رديو اسرائيل ليعرفوا حقيقة ما يحدث على الجبهة فى معركة 1967م لأن إعلامنا خذلهم فى ذلك الوقت كما كان الاسرائيليون يبحثون عن محطة مصر ليعرفوا منها الحقائق فى معركة 1973 لأن مصر كانت قد تعلمت  الدرس وعلمت أن الشفافية المحسوبة والصدق هو الوسيلة الاصوب فى حماية الجماهير من شائعات العدو وأكاذيبه وبالفعل نجح هذا المنهج .

  وعندما أقول الشفافية المحسوبة أقصد أنه ليس كل ما  يعلم يقال،وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع، فليس القصد حجب الحقيقة وإنما القصد ليس كل ما يعرف يقال لأنه قد يكون فى قوله ضرر أو إيقاع بين الناس أو كشف عورات للعدو يؤثر فى حماية البلاد وأمور كثيرة لذا فالشفافية تكون محسوبة فى مقابل التعامل بحزم مع من ينشر الاكاذيب والشائعات .

  أما الجانب الثاني فى مواجهة الشائعات فهو المهنية فلا يجوز أن يعمل بالاعلام غير المهنيين وغير المدربين تدريبا عاليا وغير المثقفين المتابعي لما يحدث فى الداخل ويحدث فى الخارج وما يفكر فيه الاخرون ويدبرون له وبالتالي يتصرف بحكمة وبحرفية ومصداقية تقود الجماهير للأهداف العليا للأمة