هيرمس
شايل جيل

للبناء والتقدم

همَّة الفكر الباني

ما ميَّز الله سبحانه وتعالي الإنسان عن سائر مخلوقاته إلا بميزة "العقل الحر" حتي في العبادة لله جعله يختار بحرية "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف: 29. ولبناء هذا "العقل الحر" قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا تكونوا إمَّعة. تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا. وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم. إن أحسن الناس أن تحسنوا. وإن أساءوا ألا تظلموا". 

هنا نتذكر أسوأ ما حفظته لنا الأمثال الشعبية وشأن الشخصية المصرية وعليها أن تلفظها وتميتها من ذاكرتها ومن هذه الأمثال البغيضة الدالة علي النفس الضعيفة الحقيرة التي تؤخر المجتمع بل تهدمه. 

* "إذا عبد الناس "العجل" حِشْ وارميه له"..أي اقلع الحشائش وقدمها له ليأكلها. 
* "أنا عبد المأمور". 
* "إذا كنت انت أمير وأنا أمير مين يسوق الحمير". 
* "العين ماتعلاش علي الحاجب". 
* "المية ماتجريش في العالي". 

إن هذه الأمثال إذا تربي عليها الإنسان تجعله إنساناً ضعيفاً مضطرب الفكر. مريض القلب والوجدان متصفاً بصفات "النعاج" لأنه تخلي عن ممارسة عقله الناقد الذي يبني أركان حريته الصامدة. 

ولعلنا نجد معني عظيماً يتفق مع هذه الرؤية عندما قال البعض للثائر العظيم جمال الدين الأفغاني 1897-1838 "نحن ضعفاء ولا يمكننا مقاومة المستعمرين فهم ذئاب فقال لهم الأفغاني موبخاً إياهم. ولكنه يستنهض الهمم في الوقت نفسه: "ما كان المستعمرون ذئاباً إلا لأنهم وجدونا نعاجاً". 

إن القائد العظيم يحب أن يكون قائداً لشعب حُر أبي قوي لأن قوة الشعب قوة للقائد وهذا ما عبر عنه السياسي الأوروبي الشهير بسمارك 1898-1815 عندما تحدث عن "بناء الدولة" فقال في مقولته الحكيمة: "شرف لي أكون عضواً في جماعة الأسود. وليس زعيماً علي جماعة من النعاج". 

العقل الحر الشجاع هو الذي ينقذ الأوطان من مصائب في المستقبل قد تحدث. وهذا ما قصده وعناه الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور في مسرحيته "ليلي والمجنون" بأن يتصف الإنسان برؤية المستقبل كي يواجهه ويرشد مثلما أرشدت زرقاء اليمامة قومها: 

يا أهل مدينتنا 
يا أهل مدينتنا 
انفجروا أو موتوا 
رعب أكبر من هذا سوف يجيء 

لقد أثبتت دراسات الصحة النفسية. العلاقة التكاملية بين قوة الجسد وقوة النفس لذلك ينصح علماء الصحة النفسية أن يمارس الإنسان التفكير النقدي وتكوين العقل الناقد القادر علي الوعي بالمحاسن والعيوب والإيجابيات والسلبيات مما يجعله قادراً علي حسن اتخاذ القرار الصائب النافع فيتربي علي ممارسة الحرية المسئولة. 

وبذلك التكوين القوي تأتي الصحة النفسية لتقول للإنسان: "أيها الإنسان أنت من الأصحاء الأسوياء". 
وهنا يأتي علم الاجتماع ليقول: "وأنا أشهد لك أيها الإنسان ذو العقل الناقد البصير بأنك أساس المجتمع المتقدم القوي". 

"ورب همة أحيت أمة" إنها عبارة بليغة للإمام علي بن أبي طالب. 
ومن الشعر الجاهلي: 
* كم رجلي يُعَّد بألف 
وكم ألفي يمرون بلا عداد.