هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

لا تفهمونا غلط

اللواء سمير فرج.. العقل الاستراتيجي الذي يفكك شفرات العالم ويعيد تشكيل وعي الأمة

 

لا أنكر إعجابي الشديد والعميق باللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي والصديق العزيز، لقدرته الاستثنائية على تفكيك تعقيدات الواقع الإقليمي والدولي بنظرة ثاقبة وتحليل عميق. فدائمًا عندما يستعصي عليَّ أمرٌ أو أرغب في فهم حقيقة ما يدور على الساحة بمصداقية وشفافية، ألجأ إلى تحليلاته في اللقاءات التلفزيونية أو المحاضرات أو المقالات، حيث يكشف بحنكته عن جوهر الأحداث، سواء كانت صراعات إقليمية أو تحولات عالمية.  
تتميز رؤى اللواء فرج بالعمق التحليلي في قراءة الأزمات الإقليمية والدولية وقدرته على ربط الأحداث بسياقها التاريخي والاستراتيجي، مما يقدم للجمهور صورة شاملة لا تتوفر في الخطاب الإعلامي التقليدي. فعند تحليله للحرب الروسية الأوكرانية، لا يقتصر على تتبع المعارك العسكرية، بل يسلط الضوء على تداعياتها الجيوسياسية، مثل تغير موازين القوى بين القطبين الروسي والأمريكي مضاف اليهما القطب الصيني، وتأثير ذلك على الدول النامية. كما يفسر التوترات الهندية الباكستانية ليس كصراع حدودي فحسب، بل كجزء من التنافس على النفوذ في آسيا الوسطى، حيث تلعب باكستان دورًا محوريًا في المشاريع الصينية مثل "مبادرة الحزام والطريق".  
في السياق العربي، يُعد تحليله للأزمة السورية نموذجًا للفهم الشمولي. فهو لا ينظر إلى الحرب الأهلية كصراع داخلي فقط، بل يربطها بالمخططات الإقليمية والدولية، مثل التقسيم الفعلي للأراضي السورية بين تركيا وإسرائيل وتراجع الدور الايراني بعد تحييد حزب الله وكذلك خروج روسيا السلمي من سوريا ، ودور ذلك في إضعاف الدولة المركزية لصالح كيانات موازية. كما يكشف كيف تستغل إسرائيل هذا الوضع لتعزيز وجودها في الجولان.  
عندما تناول اللواء فرج القضية الفلسطينية قدم رؤية استراتيجية تتجاوز الخطاب التقليدي ، وقراءة تتجاوز الخطاب العاطفي إلى تحليل المصالح والأدوار. فهو يوضح كيف تحاول إسرائيل تحويل الصراع من قضية احتلال إلى نزاع حدودي، عبر مشاريع مثل "صفقة القرن" وضم القدس. كما حذر مرارا وتكرارا من المطامع الإسرائيلية في سيناء، مشيرًا إلى أن احتلال محور فيلادلفيا ليس هدفه الأمن فقط، 
وتحدث بكل شفافية ومنطقية عن دور مصر الثابت في رفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ليس فقط لحماية حقوقهم، بل لأن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري ووأد للقضية الفلسطينية . فوجود لاجئين فلسطينيين في سيناء قد يُستخدم ذريعة لتدخلات إسرائيلية أو دولية تحت مسمى "حماية الأقليات"، كما حدث في دول أخرى. هنا، يظهر فهم فرج العميق للربط بين الأبعاد الإنسانية والاستراتيجية.  
لطالما أثار تحليل اللواء فرج للعلاقات الدولية كتوازن دبلوماسي في عالم متغير إعجابي وتأملي. ففي قراءته الثاقبة للسياسة الأمريكية، كشف النقاب عن ذلك التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي البراق والمصالح الخفية التي تحرك القرارات. تجلى هذا بوضوح في كشفه للهوة الواسعة بين تصريحات ترامب المعلنة وسياساته الفعلية، لا سيما في سعيه المحموم لنيل جائزة نوبل للسلام بينما كان يشن الحروب بالوكالة. قدم فرج صورة دقيقة لرغبة ترامب الجامحة في أن يحتل مكانة جيمي كارتر كحامل للسلام، مبرزاً كيف أن هذه المساعي لم تكن سوى جزء من استراتيجية "القوة الذكية" التي تهدف إلى تلميع صورة أمريكا مع الحفاظ على هيمنتها العالمية. ولم يغفل عن كشف كيف أدت المصالح المتعارضة بين ترامب ونتنياهو إلى تصدع في التحالف الاستراتيجي رغم ظاهره المتين، خاصة حول قضايا مصيرية مثل ضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين.
أما بالنسبة للعلاقات المصرية الأمريكية، فدائما يؤكد على ضرورة التوازن بين التعاون العسكري والحفاظ على الاستقلالية السياسية. فمصر، تحت قيادة الرئيس السيسي، نجحت في تنويع مصادر السلاح وتطوير الصناعات الدفاعية، مما قلل من الاعتماد على واشنطن. كما يشيد بالمشاريع التنموية في سيناء، مثل الطرق والمدن العسكرية، التي تعزز الأمن وتوفر بيئة جاذبة للاستثمار.  
لقد أثلج صدري كشف اللواء سمير فرج عن الحقيقة الجوهرية لدور القوات المسلحة الذي يتجاوز الحماية إلى البناء والتنمية. خلال ظهوره البارز في برنامج "على مسئوليتي"، ألقى الضوء بحرفية المحلل الاستراتيجي المحنك على الرؤية الثاقبة لدور المؤسسة العسكرية، مؤكداً أن شركات القوات المسلحة ليست منافساً للقطاع الخاص، بل ركيزة استراتيجية تدعم الاقتصاد الوطني وتلبي احتياجات الدولة في القطاعات الحيوية. وببصيرته الثاقبة، أوضح اللواء فرج أن سر نجاح هذه الشركات يكمن في الانضباط الإداري الحديدي والرقابة الصارمة التي لا تتسامح مع أي مخالفة، مما يحقق أرباحاً تعود بالنفع على الاقتصاد القومي. وأكد أن الجيش المصري - بقيادته الحكيمة - تحول من حارس للحدود إلى شريك أساسي في التنمية، حيث كانت مشروعات عملاقة مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية حلمًا لا يتحقق لولا التخطيط المحكم والإشراف الدقيق للقوات المسلحة، بالتعاون مع كبرى الشركات المصرية.
وبحس المؤرخ العسكري، ربط اللواء فرج بين إنجازات الحاضر ودروس الماضي المجيد، مستذكراً كيف شكلت تجربة حرب أكتوبر مدرسة في توظيف التكنولوجيا ووحدة الجبهة الداخلية لتحقيق النصر. وكشف النقاب عن الرؤية الاستراتيجية للمشير أبو غزالة التي وضعت أسس الاكتفاء الذاتي للقوات المسلحة، بدءاً من مصانع الخضار الجاهز وصولاً إلى المزارع المتكاملة، في نموذج فريد يحقق الأمن الغذائي دون إرهاق ميزانية الدولة.
وفي تحليله الاستثنائي للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كشف اللواء فرج عن النموذج المصري الفريد في جذب الاستثمارات العالمية، حيث تجذب المنطقة كبرى الدول مثل روسيا والصين والإمارات وبولندا، مع الحفاظ الكامل على سيادة الدولة عبر نظام حق الانتفاع الذكي الذي يجمع بين تشجيع الاستثمار وحفظ الملكية الوطنية. هذه الرؤية الشاملة تثبت أن المؤسسة العسكرية المصرية - بقياداتها وخبرائها - تمثل درع الأمة وسيفها في آن واحد، تحمي الحدود وتبني المستقبل، وفق رؤية استراتيجية تتكامل فيها الأبعاد الأمنية والاقتصادية والتنموية في نسق واحد متكامل.

أخيرا 

يظل اللواء سمير فرج نموذجًا للعسكري المثقف الذي يجمع بين الخبرة الميدانية والرؤية الفكرية. فمقالاته ، ولقاءاته التليفزيونية ومداخلاته لتحليل الاحداث عبر العديد من القنوات والبرامج الاخبارية "، تقدم مزيجًا نادرًا من البساطة والعمق، مستندة إلى حقائق تاريخية وبيانات دقيقة. وهو ما جعله مرجعًا للباحثين وصناع القرار على حد سواء فأنا أراه إرثا فكريا يستشرف المستقبل.  
يمثل اللواء فرج صوتًا وطنيًا ينير الطريق في زمن التشويش الإعلامي وضجيج السوشيال ميديا بكل ما تحمله من سلبيات، حاملاً مشعل الحكمة والوضوح في عصر الفوضى المعلوماتية، مذكرًا بأهمية الوحدة والتخطيط الاستراتيجي لمواجهة تحديات عالم لا يرحم. فإرثه الفكري يتجاوز حدود التحليلات الظرفية ليُشكِّل مدرسةً متكاملة لفك شفرات العالم المعقّد، حيث يجمع بين عمق الباحث ودهاء الاستراتيجي وحكمة العسكري المخضرم. إنه بلا منازع العقل المفكِّر الذي يحلل المعادلات الدولية برؤية ثاقبة، ويُعيد صياغة الوعي الجمعي للأمة عبر ربط الماضي بحقائق الحاضر وتحديات المستقبل.

مصطفي البلك
[email protected]