هيرمس
شايل جيل
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

WE

بعد أن عثر على  "روايته المفقودة" 

الشاعر وائل السمري: أنا أقسى نقادي ودائما ما أقول لنفسي "فلتقل شعرا أو لتصمت"
لم يكن وائل السمري  منذ عرفته من هؤلاء الشعراء الذين يرسخون وجودهم الشعري في المشهد  الأدبي ب" الكيلو " هؤلاء الذين يلهثون وراء حضور  زائف ، ويصدرون ديوانا وربما ديوانين كل عام، كان وائل على يقين مبكر بأن قصيدة في العام تكفي، شرط أن تكون فتحا شعريا ، فمن أين جئت بكل هذا اليقين أيها الشاعر؟! 

إجابة ذلك السؤال يصوغها السمري شعرا في قصائد  ديوانه الثاني مناسبة حوارنا معه والذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب منذ أيام قليلة بعنوان " رواية مفقودة" وبلوحة غلاف مهداة من وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني، ليكون قد مر أكثر من ثماني سنوات على ديوانه الأول " الساقي" الصادر عن دار ميريت ٢٠١١،  كتب فيها وائل عشرات القصائد  لكنه كان دائما يبحث  عن يقين ما أو" رواية مفقودة" فلم يجدها لذا حرق وتخلص من كثير منها بلا رحمة ليكون كما وصف هو نفسه " أقسى نقاده" على ذاته، وهو السبب الذي يجعلنا نحتفي الآن بتلك القصائد التي كتب لها النجاة من " هولوكست" ضميره الشعري والتي قد عثر فيها أو هكذا يظن ونظن معه  على روايته المفقودة..

 

لا يحتاج شاعرنا  إلى مزيد من التعريف فيكفي أن نقول وائل السمري الشاعر ب "ألف ولام "

.. وبعد ذلك بمسافة الكاتب والصحفي الكبير  ورئيس القسم الثقافي بمؤسسة اليوم السابع ، ومؤلف المتن الرائع " ابني يعلمني"كتابه البديع في محبة الميلاد ودهشته والصادر منذ سنوات عن الدار المصرية اللبنانية.. 

 

أتعب الشعراء والنقاد والفلاسفة تعريفه على مر العصور ..فما الشعر في نظرك؟

للشعر تعريفات تاريخية متوارثة يفضلها سلفيو الأدب ويرددونها، فالبعض يدعي أن الشعر "ديوان العرب" والبعض الآخر" ينسبه إلى الإحساس والشعور، والبعض الآخر يعتبره فن من فنون القول المرتبط في الأساس بالأديان سواء السماوية أو الوضعية التي كانت تتكئ على اللغة وتحاول أن تكتسب بريقا من سحرها أو تكتسب سحرا من غموضها ووضوحها، وفي فترة سابقة كنت كثيرا ما أقول إن الشعر هو ديوان الإنسان الذي يؤرخ لوجدانه وتجاربه وممارساته وخبراته، وأرى الآن أن الشعر هو ممارسة صوفية مع اللغة يقوم بها عقل مشبع بالحياة والحلم والعلم والمعرفة  والخبرة، شريطة أن يتنازل عن كل ما تشبع به من أدوات قبل أن تطأ قدمه وادي الشعر المقدس، هو حالة التسليم المطلق، والوعي السكران، هو السبيل إلى الكمال الإنساني، والسبيل أيضا إلى اكتشاف عجز الإنسان وقلة حيلته، هو الإلهي والبشري في آن، فبالشعر نعيش وبالشعر نرى، وبالشعر نتوه وبالشعر نصل، وبالشعر تقول وبالشعر نصمت. 

 

الشعر منحنى وهجا ويقينا.. وعينا لأرى

وما الذي منحه لك ولم تكن لتحصل عليه إلا بالشعر ؟

للشعر عطايا لا تحصى ولا تعد، فالشعر والموسيقى بالنسبة لي هما كمال الإنسانية وجمالها، هما الفرح المفارق لكل المتعارف عليه، وهما الضمير الذي لا يريح ولا يستريح، منحني الشعر عينا لأرى وقلبا لأشعر وعطرا يسبقني إلى ما أبتغي، منحني الشعر فضل الرؤية وصفائها، كما منحني يقينا أختال به فرحا أمام الشكوك، منحني الشعر وهجا أصل بيه إلى أعلى عليين، كما منحني زهدا أرى به نفسي نفخة من تراب سيدفعها شاب متعجل عن حذائه دون أن أبتئس.

 

غبت عن النشر منذ ديوانك الأول لكنك لم تتوقف عن الكتابة فما سر هذا الغياب الطويل عن النشر ؟

أنا رجل قلق، ملول، متشكك، أتربص بنفسي لأقصى حد، ودائما ما أتعامل مع نفسي باعتباري أقسى نقادي، أفكر في ألف خاطرة لأكتب واحدة، ثم أكتب من بين عشرات الخواطر قصيدة، ثم أختار من بين عشرات القصائد واحدة لأنشرها في جريدة أو ديوان، قبل ديواني الأول ألقيت بديوانين إلى المجهول، وقبل ديواني هذا كتبت ضعفيه ثم اضعتهما عامدا متعمدا، ودائما ما أقول لنفسي "فلتقل شعرا أو لتصمت"

 

يحمل عنوان ديوانك الجديد " رواية مفقودة" شيئا من الجدل ؟ بين كونه شعرا  يبدأ عنوانه بمفردة " رواية"  فهل هذا مقصود ..وكيف تصنع عناوينك؟

في الحقيقية أنا لم أقصد أبدا من هذا العنوان أي نوع من أنواع الجدل مع فن "الرواية" فالرواية التي أقصدها في هذا الديوان هي مصطلح الرواية التاريخية، وجهة النظر في روي حادثة ما، فقديما كان يطلق على المؤرخين اسم "الرواي" وفي الأوساط الريفية في مصر يطلق على الشاعر اسم "الراوي" ومن هؤلاء وصلت لنا عشرات الحكايات وعشرات الأحداث التاريخية التي خالطت الأسطورة واختلطت بها، وكان طبيعيا أن أختار هذا العنوان لأني في القسم الأول من الديوان اتخذ من قناع المؤرخ وسيلة للكشف أو للسرد والاشتباك مع الموروث التاريخي والسياسي والديني، أما في القسم الثاني فإني أتخذ  القناع نفسه لأشتبك مع نفسي محاصرا إياها بيقين الزوال.

 

"عشت سعيدا أيها الموت" عنوان واحدة من قصائد ديوانك الجديد والكثير من قصائده تحمل عبقا صوفيا لافتا  فهل هى بداية تنوي بعدها  المسير على هذا الدرب ؟ 

لا انفصال بين أي شعر حقيقي والمنهج الصوفي في الرؤية والاستبصار والتأمل، بل لا انفصال بين أي تجربة إنسانية حقيقية عن الصوفية، فالعاشق على باب الحبيبة صوفي في الحب، والعالم في مختبره صوفي في العلم، ولاعب الكرة في تدريباته صوفي مجاهد، ولا حقيقة بلا مكابدة، بلا اندماج روحي واتصال شفيف، بلا توحد بين الغاية والطريق. 


 

الجوائز ليست إلا تعبيرا عن الإعجاب وجائزتي الحقيقية هى القصيدة

 

 

فزت بالعديد من الجوائز على مستوى القصيدة والديوان فما الذي تعنيه الجائزة للشاعر وما الجائزة الأهم بالنسبة لك؟

بالنسبة لي فإن جائزة الشاعر الأهم هي القصيدة، أما بقية الجوائز التي يحصل عليها المبدعون فهي ليس أكثر من تعبير عن الإعجاب أتقبله شاكرا ممتنا، كما أتقبل إشادة عابر عبر البريد الإليكتروني أو صديق في مكالمة هاتفية.

 

"ابنى يعلمنى"..تجربة كتابة فريدة في بابها وثقيلة في ميزان أعمالك، من أين نبعت تلك الفكرة وهل هى قابلة للتكرار؟

فكرة هذا الكتاب جاءتني في اللحظة الأولى التي امسكت فيها يداي ابني الأول "ورد" كدت أنفجر من الدهشة، احتضنته وبكيت، ليس من الفرح أو من الخوف كما يدعي البعض وإنما من الدهشة فحسب، ورغما عني قارنت بين الدهشة التي شعرت بها حينها والدهشة التي انتابتني حينما ماتت أمي بين يدي، في لحظة واحدة جاء هذا الحبيب إلى العالم، وفي لحظة واحدة ذهبت أمي بلا رجعة، ثم اكتشفت أن دهشة الميلاد أكبر بكثير من دهشة الموت، فشرعت في الكتابة على الفور.

 

 قال جمال الغيطاني ذات يوم لولا الصحافة لكان إنتاجي ثلاثة أضعاف ما قدمته..فكيف ترى العلاقة بين الشعر والصحافة سواء سلبا أو إيجابا؟

في الحقيقة أنا رجل قليل الإنتاج بطبعي فلا أستطيع أن أعلق قلة إنتاجي التي أفخر بها على شماعة الصحافة، ولا أخفي عليك أنني ممتن لعملي في الصحافة بشكل كبير، فالصحافة أكرمتني وكفلت لي حياة كريمة وحافظت على موهبتي من التشرد والإحباط كما حافظت على كرامتي من الإهدار في أزقة الصعلكة، كما منحتني تجارب إنسانية وخبرات حياتية ما كنت لأحصل عليها دونها.

 

قريبا.. أولى مسرحياتي الشعرية ترى النور

 

تعشق  المسرح الشعري ولك إنتاجك الذي أعرفه فأين المنشور من مسرحياتك الشعرية؟

في القريب سترى أولى مسرحياتي الشعرية النور، وهي مسرحية تجريبية إلى حد كبير سواء في شخوصها أو في لغتها أو في حبكتها، ولك أن تعرف أنني بدأت في هذه المسرحية منذ أكثر من 15 عاما، كتبتها مرة واحدة، وأعدت كتابتها عشرات المرات حتى مللت مني ومنها فقررت الدفع بها للنشر.

 

الشعر على وشك الانقراض "وإني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير.. ولكن لا أرى".. شعرا

 

كيف ترى حال المشهد الشعري الآن وهل آن الأوان لأن نقر بأن المتن صار لقصيدة النثر؟

لو كنت تقصد المتن من حيث عدد القصائد المنشورة أو عدد الدواوين المطبوعة فمعك حق، ولو كنت تقصد المتن من حيث عدد الشعراء الذين يحتلون الأمسيات الشعرية والمتابعات الصحفية فمعك حق أيضا، أما لو كنت تقصد "المتن" من حيث الإسهام الشعري الحقيقي فأعتقد أنك بحاجة ماسة إلى مراجعة سؤالك مرة أخرى، لأن الشعر الآن على وشك الانقراض، انظر إلى المعروفين للجماهير من الشعراء الآن لتعرف أن المتن لم يعد متنا، فكثيرا ما أقضي الليل مقلبا صفحات الدواوين الشعرية ثم أجدني أردد "وإني لأفتح عيني حين أفتحها على كثيرا.. ولكن لا أرى شعرا" فالشعر الحقيقي الآن نادر الوجود سواء في قصيدة النثر أو التفعيلة وفي الحقيقة ندرة في قصيدة النثر أوضح، عشرات الشعراء أصحاب التجارب الكبرى اعتزلوا الشعر دون أن يخططوا لهذا، وعشرات الشعراء الكبار اعتزلوا الشعر أيضا وهم يكتبون، وإن كان هذا يحدث للكبار فما بالك بمن دونهم.





يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق